بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
كانت للشيعة خلال القرون الماضية جامعات وحوزات علمية نشير إلى بعضها إجمالا :
1 -المدينة المنورة : إن المدينة المنورة هي المنطلق العلمي الأول لنشر العلم والثقافة فهي المدرسة الأولى للمسلمين ، نشأ فيها عدة من الأعلام من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وعلى رأسهم : ابن عباس حبر الأمة ، وسلمان الفارسي ، وأبو ذر الغفاري ، وأبو رافع الذي هو من خيار شيعة الإمام علي مؤلف كتاب السنن والأحكام والقضاء ، وغيرهم .
ثم جاءت بعدهم طبقة من التابعين تخرجوا من تلك المدرسة على يد الإمام علي بن الحسين زين العابدين ( عليهما السلام )
-وازدهرت تلك المدرسة في عصر الإمامين الباقر والصادق ( عليهما السلام ) وزخرت بطلاب العلوم ووفود الأقطار الإسلامية ، فكان بيتهما جامعة إسلامية يزدحم فيها رجال العلم وحملة الحديث ، يأتون إليها من كل فج عميق .
2 -الكوفة وجامعها الكبير : قد سبق أن الإمام أمير المؤمنين هاجر من المدينة إلى الكوفة واستوطن معه خيار شيعته ومن تربى على يديه من الصحابة والتابعين .
وكان قد أعان على ازدهار مدرسة الكوفة مغادرة الإمام الصادق ( عليه السلام ) المدينة المنورة إلى الكوفة أيام أبي العباس السفاح حيث بقي فيها مدة سنتين .
- وكان من خريجي هذه المدرسة لفيف من الفقهاء الكوفيين ، نظير أبان بن تغلب بن رباح الكوفي ، ومحمد بن مسلم الطائفي ، وزرارة بن أعين
3 -مدرسة قم والري : لما هاجر إبراهيم بن هاشم الكوفي تلميذ يونس بن عبد الرحمن وهو من أصحاب الإمام الرضا ( عليه السلام ) إلى قم ، نشر فيها حديث الكوفيين فصارت مدرسة قم والري مزدهرة بعد ذاك بالمحدثين والرواة الكبار .
وساعد على ذلك بسط الدولة البويهية نفوذها على تلك البلدان ، ولقد تخرج من تلك المدرسة علماء ومحدثون منهم :
-1 - علي بن إبراهيم شيخ الكليني . الذي كان حيا سنة ( 307 ه ).
2 - محمد بن يعقوب الكليني ، ( ت 329 ه ) ، مؤلف الكافي في الفروع والأصول .
3 - علي بن الحسين بن بابويه ، والد الشيخ الصدوق صاحب الشرائع ، ( ت 329 ه )
4 - ابن قولويه أبو القاسم جعفر بن محمد ( 285 - 368 ه ) من تلامذة الكليني وأستاذ الشيخ المفيد
4 -مدرسة بغداد : ولما دب الضعف في السلطة العباسية وصارت السلطة بيد البويهيين تنفس علماء الشيعة في أكثر مناطق العراق ، فأسست مدرسة رابعة للشيعة في العاصمة أنجبت شخصيات مرموقة تفتخر بها الإنسانية نظير : 1 - الشيخ المفيد ( 336 - 413 ه )
2 - السيد المرتضى علم الهدى ( 355 - 436 ه )
3 - السيد الرضي ( 359 - 406 ه )
4 - الشيخ الطوسي ( 385 - 460 ه )
5 -مدرسة النجف الأشرف: ضعفت سلطة البويهيين ، ودخل طغرل بك الحاكم التركي بغداد ، فأشعل نار الفتنة بين الطائفتين السنة والشيعة ، وأحرق دورا في الكرخ ، ولم يكتف بذلك حتى كبس دار الشيخ الطوسي وأخذ ما وجد من دفاتره وكتبه ، وأحرق الكرسي الذي كان الشيخ يجلس عليه.
مما دفع الشيخ الطوسي - رحمه الله - إلى مغادرة بغداد واللجوء إلى النجف الأشرف وتأسيس مدرسة علمية شيعية في جوار قبر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وشاء الله تبارك وتعالى أن تكون هذه المدرسة مدرسة كبرى أنجبت خلال ألف سنة من عمرها عشرات الآلاف من العلماء والفقهاء والمتكلمين والحكماء .
والمعروف أن الشيخ الطوسي هو المؤسس لتلك الجامعة العلمية المباركة
6 -مدرسة الحلة : ظهر في هذا الدور فقهاء كبار كان لهم الأثر الكبير في تطوير الفقه الشيعي وأصوله ، نأتي بأسماء بعضهم :
1 - المحقق الحلي
2 - العلامة الحلي
3 - فخر المحققين
7 -الجامع الأزهر : كان المعز لدين الله - أحد الخلفاء الفاطميين بمصر - رجلا مثقفا ومولعا بالعلوم والآداب ، وقد اتخذ بفضل تدبير قائده العسكري القاهرة عاصمة للدولة الجديدة ، وبنى الجامع الأزهر ، وعقدت فيه حلقات الدرس ، وكان يركز على نشر المذهب الشيعي بين الناس ، وقد أمر أن يؤذن في جميع المساجد ب " حي على خير العمل " إن المسلمين عامة - وفي طليعتهم المصريون - مدينون في ثقافتهم وازدهار علومهم وتقدمهم في مجال العلم والصنعة للفاطميين وهممهم العالية ، فإن الجامع الأزهر لا يزال مزدهرا من يوم بني إلى يومنا هذا باعتباره أعظم الجامعات العلمية ، وهي كانت جامعة شيعية من بدء تأسيسها إلى قرنين .
8 -مدارس الشيعة في الشامات : كانت الشيعة تعيش تحت الضغط والإرهاب السياسي من قبل الأمويين والعباسيين ، فلما دب الضعف في جهاز الخلافة العباسية ، وظهرت دول شيعية في العراق - خصوصا دولة الحمدانيين في الموصل وحلب - استطاعت الشيعة أن تجاهر بنشاطها الثقافي ، وفي ظل هذه الحرية أسست مدارس شيعية في جبل عامل ، وحلب ، تخرج منها العديد من العلماء الأفذاذ والفضلاء .
فأما حلب فقد ازدانت بالعديد من الأسماء اللامعة كأبناء زهرة وغيرهم ، من رجال العلم والأدب .
وأما مدرسة جبل عامل فقد كانت تتراوح بين القوة والضعف ، إلى أن رجع الشهيد الأول من العراق إلى مسقط رأسه " جزين " ، فأخذت تلك المدرسة في نفسها نشاطا واسعا ، وقد تخرج من تلك المدرسة منذ تلك العهود إلى يومنا هذا مئات من الفقهاء والعلماء لا يحصيها إلا الله سبحانه ، ومن الشخصيات البارزة في هذه المدرسة : المحقق الشيخ علي الكركي مؤلف " جامع المقاصد " ( المتوفى عام 940 ه ) وبعده الشيخ زين الدين المعروف بالشهيد الثاني ( 911 - 966 ه ) .
هذا غيض من فيض وقليل من كثير ، ممن أنجبتهم هذه التربة الخصبة بالعلم والأدب .
علي عابدة
من كتاب :أضواء على عقائد الشيعة الإمامية وتاريخهم/ الشيخ جعفر السبحاني...بتصرف
أسألكم الدعاء